نبيل العوضي
ها نحن نبدأ مستعينين بالله بمواجهة أول وباء عالمي يصيب البشرية في هذا القرن، هذا الوباء الذي تضاربت المعلومات فيمن تسبب بانتشاره الذي احتضنته الخنازير (النجسة) التي حرمها اللطيف الخبير، يعلن المسؤولون ان عدد المصابين المسجلين بالاصابة به (30) الفا تقريبا اما عدد المصابين غير المسجلين فهو بالتأكيد اضعاف كثيرة قد تصل الى مئات الآلاف والله اعلم!!
وباء الخنازير الذي لا يجب انصار هذا الحيوان تسميته بهذا الاسم صار واقعا محتوما على البشرية، ولا يصيب الذين ظلموا منهم خاصة، بل شمل البلاء كل اهل الارض حتى الذين حرموا على انفسهم اكل الخنزير والاقتراب منه، لتعلم البشرية ان خطأ البعض ان سكت الناس عنه فسينزل البلاء على الجميع، عافانا الله واياكم.
وبما ان الوباء صار عالميا فان لنا معه وقفات ونصائح لعلها تخفف من حدته او انتشاره باذن الله جلا وعلا.
اول الامور واعظمها: لابد ان نعلم ان الامر كله لله جلا وعلا، ان شاء ابتلانا وان شاء عافانا، فالخلق خلقه والامر امره، و{لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون}، وصحيح ان المرض معد وينتقل عبر الهواء، وقد يحمل المريض الفيروس وينشره بين الناس ولا عرض فيه، لكن الامر المؤكد ان المصاب يختلط بالكثيرين ولكن لا ينتقل الفيروس لشخص منهم الا اذا اذن الله (فلا عدوى) الا باذن الله وارادته، (وما اصابك لم يكن ليخطئك وما اخطأك لم يكن ليصيبك) فلنتوكل على الله ونثق به جلا وعلا.
وهذا التوكل على الله لا يجعلنا نترك الاسباب المادية، بل الاخذ بها من تمام التوكل على الله تعالى، فمن علم من نفسه المرض فليعتزل الناس وليلزم قوانين الصحة، كما جاء في الحديث (لا يوردن ممرض على مصح)، ومن علم بمكان موبوء فلا يتعمد الدخول فيه وليبتعد عمن يحمل المرض، كما في الحديث (فر من المجزوم فرارك من الاسد)، واول من وضع نظام الحجر الصحي في البلدان هو الاسلام، فمنع دخول الارض الموبوءة او الخروج منها حتى لا ينتشر المرض، والالتزام بقوانين وزارات الصحة وانظمة المنافذ يدخل في هذا الباب الشرعي، فوجب الالتزام بها.
أما النظافة العامة فهي من صلب ديننا وهي من أفضل الوسائل للوقاية من المرض، و(الطهور شطر الإيمان) كما جاء في الحديث، فليحرص كل منا على نظافته ونظافة بيته وطعامه، وما يفعله البعض من البصق في الشوارع، أو رمي المناديل الملوثة في الطرقات فهذا ليس من الدين، بل من الإيمان (اماطة الأذى عن الطريق) وليس القاء الأذى فيه.
ولهذا حث الإسلام على الوضوء وتجديده، وليحرص كل منا على اتمام وضوئه وتكراره، وليتأكد من الاستنشاق بأن يدخل من الماء في أنفه ثم يستنثره، فالاستنشاق من أفضل وسائل التطهير والتعقيم، وجاء في الحديث (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما).
أما العطاس فإنه نعمة من الله يخرج بها العبد ما تجمع من ميكروبات وفيروسات، ولكنه في نفس الوقت ينشرها بين من حوله، فالحل أن لا يرد الانسان عطاسه ولكنه يغطيه بما استطاع من مناديل أو يده إن لم يجد، وجاء في السنة أن العبد يحمد ربه إذا عطس ولكن جاء في السنة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يغطي فمه بما عنده، وخير الهدي هدي نبينا.
والنظافة في البيوت والطرقات والثياب والجسد وفي كل شيء مطلوبة وهي من الإيمان بل هي شطره، فلنحرص عليها فهي من الدين.
وينبغي كذلك في التعامل مع هذا الوباء العالمي ألا يصاب الانسان بالهلع والقلق، فأهل الدين والصلاة مطمئنون بقدر الله وحكمته {إن الانسان خُلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا، إلا المصلين}، وليكثر الانسان من الدعاء أن يحفظه الله ويحفظ المسلمين، ومن أفضل الدعاء في هذه الأيام أذكار الصباح والمساء، ومنها من قال (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات لم يصبه شيء، ويقولها في الصباح وفي المساء، فعلموا ابناءكم وبناتكم هذه الاذكار وحصنوهم بها فهي أعظم حصن خصوصا لما خفي شره وانتشر.
ولنعلم أخيرا بعد أخذ الأسباب والحيطة والتزام النظم والتعليمات في أي بلد كنا، ان سبب أي بلاء ينزل إلى الأرض هو الذنوب والخطايا، قال تعالى {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}، فالأمراض تنتشر بانتشار الفواحش، والمطر يقل بمنع الزكاة عن الفقراء، وفسق المترفين يهلك القرى، وهكذا فكل بلاء ينزل بسبب الذنوب والمعاصي، ولا يرتفع البلاء إلا بالتوبة إلى الله والرجوع إليه، والتضرع له جل وعلا، قال تعالى {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون، فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون}، وكل خير في الرجوع إلى الله والاستغفار والتوبة، وقانا الله وإياكم شر الأمراض والأوبئة.